علمانيتهم وعلمانيتنا.. هل العقل الغربي علماني صرف؟
تعود نشأة العلمانية إلى التنازع بين الدين والسياسة في المجتمعات المسيحية أساسا. فقد ظلت السلطة فيها حتى نهاية القرن الثامن عشر ذات رأسين، رأس ديني وثان مدني. ولا بدّ من الحفر في التاريخ البعيد لنفهم طبيعة هذه العلاقة المركّبة. فقد انتشرت المسيحية أوّل أمرها في بلاد الرومان. وتمّ ذلك بحماية إمبراطورية. ولكن ما إن استقرّ لها الأمر وبسطت سلطانها وأضحت ديانة رسميّة واستبطنها المؤمنون فتسللت قيمها إلى لاوعيهم حتى تحولت إلى طرف ينازع الحُكم الإمبراطوري النفوذَ ويطمح إلى سحب البساط من تحت قدميه. وأخذ كلّ طرف يسحب المباركة الدينية إلى جانبه فنشأت نظريتان متصادمتان هما نظرية العناية الإلهية التي كرّسها أباطرة طغاة من أمثال كاليغولا ونيرون. وكانت تدفع إلى الاعتقاد بأنّ الله يمنح الحاكم رعايته وأن من يقاوم سلطته يجدّف ويحاول إعاقة هذه العناية المقدسة. وهذا ما مثّل أرضية لنشأة الحكم التيوقراطي. ونظرية الحق الإلهي. وكان مدارها على أن القانون الإلهي أقوى من أي قانون بشري وأن الكنيسة الكيانُ الوحيد المخول له تجسيد هذا الحق، وأن البابا ممثل الرّب على الأرض. وانطلاقا من هذه النظر...