التاريخ مليء بالأمثلة التي تبين أن نهضة الأمم وتقدّم الشعوب لا تأتي إلا بعد حدوث ثورة فكرية قبل كل شيء، وأن الفكر والفلسفة بالتحديد عبارة عن محرّك النهضة والتنوير، فلولا فلسفة كانت، وشكّ ديكارت، ومنهج فرانسيس بيكون العلمي لمّا وصلت أوروبا إلى ما وصلت إليه حاليًا من تقدّم في جميع المجالات، وأن الفلسفة ترسم ملامح المنهج العلمي وتضع الأرضية الفكرية ثم تأتي العلوم الأخرى لكي تكمل مهمّتها في الشق التطبيقي، فتقدّم الشعوب ليس مرتبطًا فقط بعوامل اقتصادية وسياسية، بل ومرتبط أيضًا بمكانة الفلسفة في هذه الشعوب، فإن الدارس لتاريخ الأمم الحالية المتطوّرة يجد أن ما من عالم ساهم في نهضة هذه الأمم إلا وكان فيلسوفًا، لكن معضلة الشعوب العربية الحالية الغارقة في التخلّف من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين، ترى أن الفلسفة عبارة عن علم لا ينفع وجدالات عقيمة لا فائدة منها، ولذلك يتم مقارنة الثرثرة والكلام الفارغ في هذه المجتمعات بالتفلسف، فيكفي فقط إلقاء نظرة على حال «أم العلوم» في المجتمعات العربية لنجد أن مادة الفلسفة أصبحت مادة ثانوية للحفظ فقط وهي آخر مادة يمكن للطالب العربي أن يفكّر فيها عوض