Mana.net حوار مع أستاذ تاريخ الفلسفة بيتر آدمسون

 

هل كان هدفك الرئيس في شرح الفلسفة الإسلامية بلغة بسيطة في «كتاب الفلسفة في العالم الإسلامي» Philosophy in the Islamic World [تاريخ الفلسفة بلا فجوات، 3  أجزاء] هو تذليلها للناس؟ أم كنت تريد الوصول إلى الأكاديميين أيضًا؟

لقد كُتب الكتاب إلى حد كبير لعامة الناس، على الرغم من أنني أعتقد أن النهج الشامل الذي أتبعه يهدف إلى أن يكون مفيدًا للمتخصصين أيضًا. وعلى وجه الخصوص أودّ أن يتبنوا بعض جوانب ما أقوم به في الكتاب، على سبيل المثال دمج دراسة الفلسفة اليهودية في مفهوم الفلسفة في العالم الإسلامي، وإيلاء المزيد من الاهتمام للفكر «الما بعد كلاسيكي»؛ أي كل ما حدث بعد القرن الثاني عشر الميلادي بالأساس.

– لماذا تعتقد أن الفلسفة الإسلامية قد أُهملت طوال التاريخ الحديث؟

بالطبع لم تُهمل في جميع أنحاء العالم: ففي البلاد الإسلامية كان هناك دائمًا اهتمام بالتقليد الفلسفي الأسبق. لكن في أوروبا كان هناك ميل لتقدير الشخصيات التي تُرجمت إلى اللاتينية في العصور الوسطى فقط، مثل ابن سينا وابن رشد بسبب تأثيرها على الفلسفة الأوروبية. ولم يُترجَم الفلاسفة المهمون من بعدهم -مثل فخر الدين الرازي أو الملا صدرا- إلى لغة أوروبية، لذلك ظلوا محجوبين إلى حد ما بالنسبة للباحثين العاملين في تلك اللغات.

– هل تعتقد أن فلسفات العديد من الثقافات لم تُدمَج في تاريخ الفلسفة في الغرب؟ أم أن الفلسفة الإسلامية مقدَّمة هنا باعتبارها فلسفةً من «فلسفات العالم» جنبًا إلى جنب مع الفكر الصيني، والبوذي، والهندي، إلخ؟

نعم، هذا صحيح، ما يزال هناك ميل في أوروبا وأمريكا الشمالية للتعامل مع كل التقاليد غير الأوروبية ككتلة واحدة تُسمى «الفلسفة غير الغربية»، أو «الفلسفة العالمية»، أو «فلسفة العالم». بمعنى ما، ليس لديّ أي اعتراض على ذلك، لأنه يبدو كخطوة أولى مفيدة في حث الناس على الانتباه إلى هذه التقاليد الأخرى. لكن تعلّم الفلسفة الهندية ليس مناسبًا حقًا لتعلّم الفلسفة الأفريقية أو الأمريكية اللاتينية. ما نحتاجه هو دراسة أكاديمية لكل تقليد في حد ذاته، وهذا يُجرى بشكل متزايد. يُعتبر وضع الفلسفة الإسلامية تحديدًا غير معتاد، لأنه غالبًا ما يُنظر إليها على أنها  تندرج تحت عنوان «الفلسفة غير الغربية»، على الرغم من أن تقليدها يتجاوب إلى حد كبير جدًا مع الفلسفة الأوروبية -وخاصة أرسطو- على عكس ما نجده في الهند، أو الصين، أو أفريقيا، أو الأمريكيتين قبل الاستعمار.

– هل مصطلح «الفلسفة الغربية» له معنى حقًا؟ أم تعتقد أن المصطلح من بقايا -إلى حد ما- العقلية الاستعمارية؟

تكمن مشكلة هذا التعبير في أنه من غير الواضح ما الذي يجب أن تتضمنه «الفلسفة الغربية». إذا كنت تعتبره تسمية جغرافية، بمعنى يشمل أي فلسفة حدثت في أوروبا مهما كانت – ولاحقًا في أمريكا الشمالية والدول «الغربية» الأخرى – فلا بدّ أن يتضمن جانبًا عظيمًا من الفلسفة الإسلامية، وذلك ببساطة لأن المسلمين سيطروا على إسبانيا زمنًا طويلًا، وكتب هناك عدد من المفكرين المهمين المسلمين واليهود باللغة العربية. ومع ذلك، لا تُعتبر هذه الفلسفة عادة جزءًا من الفكر «الغربي». ثم من ناحية أخرى، إذا كنت تعتقد أن الفلسفة «الغربية» تعني أي شيء يعود إلى اليونانيين، فيجب عليك  تدرج شخصيات مثل ابن سينا، الذي عاش في آسيا الوسطى؛ وهي منطقة تأثرت بشدة بعد ذلك بالثقافة الهيلينية.

– هل تؤمن برأي إرنسنت رينان فيما يتعلق بـ «تحقير» العلم في الفلسفة الإسلامية؛ رغم أن نبي الإسلام قال: «فضل العالم على العابد سبعون درجة»، و«العلماء ورثة الأنبياء»؟

تعود فكرة أن الوحي الإسلامي يدعم الفلسفة أو العلم إلى فترة العصور الوسطى؛ إذْ تجدها مثلًا عند ابن رشد. وبوجه عام لا شك في أن الفترات الكلاسيكية والقروسطية قد اعتقد العديد من علماء المسلمين فيها أن البحث العقلاني في العالم قد شجعه الإسلام. لكنني سأحرص هنا على عدم افتراض وجود موقف واحد فقط داخل الإسلام. فمثلًا، كان هناك أيضًا علماء دين قد تجنّبوا استخدام المصادر العلمية الأجنبية، أو قالوا إن كل المعرفة التي نحتاجها موجودة في الوحي القرآني والسيرة النبوية. لذا فالصورة مركّبة ومعقدة.

– كيف برّر الفلاسفة الإسلاميون دراسة أفلاطون وأرسطو؟ أنت تستشهد بردّ الكندي على النقاد الدينيين الذين اعترضوا على استخدام النصوص الفلسفية اليونانية. فقد قال الكندي إنه يجب علينا احترام الحقيقة أينما عثرنا عليها. ومع ذلك، بما أن الفلاسفة لم يشكّوا في الوحي النبوي، فما يزال يتعين عليهم تفسير لماذا لم تكن دراسة الفلسفة اليونانية زائدة عن الحاجة، حتى لو كانت تعاليمها صحيحة. بعبارة أخرى، لماذا لا نكتفي بدراسة القرآن أو الكتاب المقدس؟ هذه قضية حيوية لفهم تفاعل العالم الإسلامي مع الفلسفة اليونانية.

هذا صحيح. فكما قلت، رفض بعض علماء الدين في ذلك الوقت دراسة الفلسفة اليونانية. لا نعرف بالضبط من الذي كان يردّ عليه الكندي عندما دافع عن استخدام الحكمة اليونانية، ولكن يأتي مثال آخر بعده بفترة زمنية وجيزة، وهو الخلاف حول قيمة المنطق. هنا، أنكر عالم نحوي اسمه السيرافي ضرورة دراسة الأعمال المنطقية اليونانية.

أعتقد أن هناك في الواقع شكلين يمكن أن تتخذهما هذه المعارضة للفلسفة اليونانية: الشكوى من عدم توافقها مع الإسلام – مثلًا من خلال التأكيد على أزلية العالم بدلًا من أن يكون مخلوقًا – والقول، على حد تعبيرك، إن الفلسفة اليونانية زائدة عن الحاجة؛ لأن أي شيء صحيح فيها يمكن العثور عليه أيضًا في الوحي الإسلامي. ردَّ الفلاسفة على هاتين التهمتين بالطبع. على سبيل المثال من خلال تقديم حجج فلسفية ضد أزلية العالم، أو بإنكار أن القرآن ينصّ على عالَم غير أزلي. فيما يتعلق بتهمة عدم الحاجة إلى الفلسفة، كان ردهم المعتاد هو القول إن الفلسفة هي الواقع أداة مفيدة لفهم القرآن وتفسيره، بل قد يكون لدى الفلاسفة ما يؤهلهم لتفسيره. هذا ما نجد ابن رشد، مثلًا، يقوم به لاحقًا. كما كَتَب الكندي رسائل حول استخدام الفلسفة في التفسير القرآني.

– هل تعتبر يحيى بن عدي جسرًا بين الفلسفة الإسلامية وورثتها في الفلسفة المسيحية؟

لا، لأن ابن عدي يوضح أن الفلسفة في الفترة التكوينية في أواخر العصور الوسطى كانت مشروعًا متعدد الأديان: فقد تعاون المسيحيون واليهود مع المسلمين في ترجمة الفلسفة اليونانية وتفسيرها. من المثير للاهتمام أيضًا أن نرى كيف استُخدمت الفلسفة في المجادلات بين الأديان المختلفة، مثلًا في تفنيد ابن عدي لانتقاد الكندي للثالوث.

– هل تعتقد أن نظرة هيجل للتاريخ كوعي ذاتي تقدمي يمكن الدفاع عنها تاريخيًا؟ على وجه التحديد، هل يمكن تقسيم الفلسفة إلى فترتين، الفلسفة القديمة والفلسفة المسيحية الحديثة، مما يقود إلى المثالية الألمانية؟

لا، أنا لا أقبل هذا النوع من النهج «الغائي» [المتجه نحو غرض] لتاريخ الفلسفة. لا أعتقد أن الفلسفة تتقدم على طول أي مسار محدد مسبقًا -أو حتى مسار يمكن التنبؤ به- نحو غاية نهائية معينة. في الواقع، ليس هيجل وحده من يعتقد أن الفلسفة تتجه نحو غاية معينة. فبطريقة ما يمكنك أيضًا العثور على هذه الفكرة عند هؤلاء الفلاسفة التحليليين المعاصرين الذين يفترضون أن نهجهم يجعل كل الفلسفة السابقة بالية، ربما -في نظرهم- لأن الفلسفة التحليلية مطّلعة على العلم الحديث. لكنني لا أقبل هذا أيضًا. فأنا أعتقد أن كل فترة وثقافة في تاريخ الفلسفة لها قصتها الخاصة وتحتاج إلى تقييم وفقًا لها؛ لأسباب متعددة، ويكفي أن التقاليد المختلفة تطرح أسئلة مختلفة، وليس محاولة الإجابة عن نفس الأسئلة دائمًا.

– ما رأيك في الدهريين أو الملحدين في الفلسفة الإسلامية؟ هل تعتقد مثلًا أن أبو بكر الرازي قد عارض النبوة كما يُتهم به عادةً؟

أفهم موقف الرازي فهمًا مخالفًا للرأي السائد، وهو أنه لم يكن يهاجم النبوة بشكل عام. وإنما أراد مهاجمة اتجاهات معينة داخل الإسلام، التي يبدو أنها تضمنت المذهب الشيعي الإسماعيلي؛ فقد اعتقد أن هذا النهج كان يعتمد بدرجة كبيرة على سلطة الأئمة. لذا حسب قراءتي، ما كان فعليًّا نزاعًا عادلًا في الإسلام قد شوهه خصومه الإسماعيليون، الذين وصفوه بأنه هاجم الوحي من حيث هو وحي، والنبوة من حيث هي نبوة.

– في القسم المعاصر من الكتاب، أهملتَ عددًا من أهم علماء الإسلام في الفلسفة في هذا العصر، مثل أحمد فرديد، ومرتضى مطهري، وسيد جواد طباطبائي، وسيد حسين نصر، والطباطبائي. لماذا لم تتطرق للفلسفة الإسلامية الحديثة؟ هل الموضوع سياسي؟  

لقد تحدثتُ قليلًا عن الطباطبائي ونصر؛ لكنك محق في أنني مررت على القرن العشرين مرورًا خاطفًا ولم أتحدث عن القرن الحادي والعشرين على الإطلاق. كان هذا لسببين: أحدهما هو الافتقار إلى الاطلاع المتخصص، والآخر هو أن هذا الموضوع يمثل موضوعًا واحدًا ضخمًا، واعتقدتُ أنه سيكون كتابًا إضافيًّا كاملًا إذا كتبته على النحو الصحيح. لذا حاولت فقط أن أذكر قلة من المفكرين الجدد الذين استلهموا من التقليد التاريخي السابق الذي غطيته في بقية الكتاب؛ مثل أركون، وعبده، ونصر.

– ما هو هدفك القادم؟ هل تريد الاستمرار على هذا النحو؟

لقد كان ذلك الكتاب هو المجلد الثالث فيما أنوي أن يكون سلسلة من مجلدات عديدة. وقد صدرت خمسة كتب، منها كتاب عن الفلسفة الهندية الكلاسيكية، بمشاركة جوناردون جانيري Jonardon Ganeri. وستغطي المجلدات المستقبلية الفلسفة الأفريقية، والصينية، وكذلك التطورات اللاحقة في أوروبا.

– في رأيك ما هي الأوضاع الحالية للفلسفة الإسلامية؟

حسنًا، كما قلت قبل قليل، لست خبيرًا بهذا الموضوع، لكن انطباعي هو أن الوضع يختلف كثيرًا من بلد إلى آخر. ما يزال لدى إيران تقليد مهم متمثل في استلهام الفكر السابق؛ ولا سيما المدرسة الصدرية، وما تزال شخصيات مثل السهروردي وابن سينا مؤثرة هناك. لكن يوجد أيضًا علماء إيرانيون يمارسون الفلسفة التحليلية أو يدرسون كانط وهايدجر، وقد يكون ذلك أحيانًا بالمراوحة بين هذه الفلسفات وفلسفة ملا صدرا. ولاحظ أننا نتحدث عن إيران فقط!

بشكل عام أعتقد أن الفلسفة في العالَم الإسلامي ديناميكية ومركبة تمامًا كما هو الحال في أوروبا أو أمريكا الشمالية. الشيء الوحيد الذي أودّ رؤيته هو المزيد من المحادثة والتبادل بين النطاقين، بحيث يمكن للمجتمَعيْن الأكاديمييْن التعلم من بعضهما بعضًا. لذلك أنا سعيد جدًا لدعوتي للتحدث إليكم لهذا السبب بالضبط!

 

 

بيتر آدمسون هو أستاذ الفلسفة القديمة المتأخرة والفلسفة العربية في جامعة لودفيغ ماكسيميليان LMU في ميونخ، وكاتب عمود أيضًا في مجلة الفلسفة الآن.  ويحاوره هنا أمير علي مالكي عن الفلسفة الإسلامية.

أمير علي مالكي طالب قانون يعيش مقاطعة كرج الإيرانية، مختصص في الفلسفة السياسية والقانون. وقد كتب للعديد من المجلات الإيرانية المشهورة؛ مثل مجلة Siyasnameh.

المصدر: Philosophy Now, Issue 143.

الترجمة: https://mana.net/16075

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مأساة الفلسفة في العالم العربي

إن القرآن لا ينكر الفلسفة الحقة

هل يمكن الاستفادة من تراث الماوردي في التربية الحديثة؟